اخر الاخبار

الاثنين، 13 أبريل 2020

روسيا و رهانات التحول


مقدمة: تمتد روسيا الاتحادية على مساحة تناهز 17057000 كلم2 و بساكنة قدر بحوالي 144.5 م/ن . عرف هذا البلد تحولات عميقة اقتصادية وسياسية و اجتماعية بانتقاله من اقتصاد موجه خلال المرحلة الاشتراكي إلى اقتصاد السوق خلال المرحلة الليبرالية .فما مظاهر هذه التحولات ؟ وما نتائجها اقتصاديا و اجتماعيا ؟ وما مواصفات الاقتصاد الروسي خلال مرحلة التحول ؟  
Iـ المؤهلات الطبيعية والبشرية
 1- تشكل المؤهلات الطبيعية و البشرية ركائز الاقتصاد الروسي  - يطغى طابع الانبساط و القارية على معظم الأراضي في روسيا:
      * التضاريس : تمتد السهول على مساحات شاسعة و أهمها السهل الروسي و سهول سيبيريا الغربية تربتها خصبة( التشريتوزيوم)، حيث تمتد الهضاب شرق نهر انسبري و أهمها هضاب سيبير الوسطى ، الجبال و هي نوعان كتل قديمة (جبال الاورال) و أعلى قمة بها 1875م غنية بالموارد المعدنية و أخرى حديثة و تمتد شرق و جنوب شرق روسيا و أعلى قمة بها 3147م .              
     * المناخ : تتميز بسيادة المناخ القاري ( شتاء طويل و بارد و صيف قصير و دافئ ) و يمكن تفسير سيادة القارية بالعوامل التالية : الموقع الجغرافي و العرضي (خط العرض 50°) و سيادة الانبساط على الدائرة القطبية (تتلقى كتل هوائية باردة)، وجود حواجز طبيعية ( الجبال شرقا) تحد من توغل المؤثرات الرطبة إلى المناطق الداخلية ورغم ذلك هناك مناخات أخرى كالمناخ المتوسطي غربا والشبه المداري في الجنوب الشرقي .                                                                                                 
     * الشبكة المائية : تخترق الأراضي الروسية انهار كثيرة تتميز بضعف انحدارها و ارتفاع صبيبها خاصة خلال فترات دوبان الثلوج ومنها : ايسني ارتمك، اوب، لنين ..... تنعكس هذه المعطيات الطبيعية على التربة و الغطاء النباتي التي تتدرج من الشمال إلى الجنوب بحيث لا تحتل المساحات في الزراعة إلا7.5% كما تتميز بكثافة الغطاء النباتي إذ تغطي المروج و الغابات و المراعي مساحات شاسعة كما تتقلص أيضا مع الشبكة الهيدروغرافية بحيث تتعرض الأنهار و خاصة الشمالية للتجمد خلال فترة طويلة من السنة و عندما يحل فصل الصيف تتعرض الثلوج للذوبان مما يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه في الأنهار و يخلف فيضانات (مستنقعات و مرجات)و مساحة شاسعة من الأوحال كما تنعكس أيضا على توزيع السكان
2-تتميز ساكنة روسيا بخصائص
بلغ عدد سكان روسيا حوالي 143,2 م/ ن (سنة 2012) وهو تكتل بشري كبير يوفر سوق استهلاكية واسعة.تتوزع الساكنة الروسية جغرافيا بشكل متباين بحيث تتركز أهم الكثافات السكنية بالقسم الغربي (الأوربي) نظرا لملائمة الظروف الطبيعية وأقدمية التعمير والتضييع وتتراجع هذه الكثافة كلما اتجهنا صوب سيبيريا نظرا لصعوبة العيش بالمناطق الدائمة التجمد، كما تتزايد ساكنة روسيا  بوثيرة ضعيفة حيث لا تتعدى نسبة النمو الطبيعي ، وتهيمن عليها الفئة النشيطة  (يد عاملة)التي تمثل 72 % من مجموع السكان.
تندرج روسيا ضمن مجموعة الدول المتوسطة ذات مؤشر التنمية المتوسط بحيت تحتل الرتبة 65 عالميا
II-شهدت روسيا تحولات اقتصادية خلال المرحلة الليبرالية كانت لها نتائج مختلفة.
1- عرفت روسيا عدة تحولات اقتصادية عند مطلع التسعينيات
كان التنظيم  الاقتصادي في روسيا في عهد الاتحاد السوفياتي يقوم على نظام الاشتراكية و الاقتصاد الموجه و التخطيط المركزي و التنظيم التعاوني عن طريق التأميم و مراقبة القطاعات الاقتصادية (فلاحة ، صناعة ،تم تجارة(ما بين 1917و1991))و في سنة 1991 شهدت روسيا مرحلة سياسية جديدة بحيث بدأت تتجه نحو النظام الليبرالي الذي يقوم على اقتصاد السوق وعلى تشجيع الخوصصة وتحرير الأسعار وتشجيع الاستثمار الأجنبي وتعود بوادر هذه التحولات الاقتصادية في روسيا إلى أواسط الثمانينات في عهد الرئيس ميخائيل كورباتشوف وبعد استقالته سنة 1991 اتخذت عدة تدابير بهدف تفكك الاتحاد السوفياتي و إنشاء ما يسمى رابطة الدول المستقلة
2-ترتب عن التحول نتائج اقتصادية و اجتماعية
أحدثت التحولات الاقتصادية في روسيا خلال المرحلة الليبرالية هزات عنيفة على الاقتصاد والمجتمع الروسييين مما أثر على مكانة روسيا الاقتصادية و السياسية عالميا و من هذه النتائج:
- تضرر الاقتصاد الروسي و تفكك مجاله الصناعي الذي أصبح يعاني من التبعية
- تضرر المقاولات و إفلاس بعضها نتيجة ضعف الاستهلاك و تراجع القدرة الشرائية للسكان
-حدوث تضخم مالي كبير بفعل تحرير الأسعار
- تضرر المجتمع الروسي بانتشار البطالة والفقر وتعمق الفوارق الاجتماعية وتراجع القدرة الشرائية و ظهور مشاكل اجتماعية خطيرة كالجريمة المنظمة و التسول.
III-تأترت القطاعات الاقتصادية في روسيا  بالتحولات الليبرالية
1-تراجع الإنتاج الفلاحي في روسيا خلال مرحلة التحول الليبرالي
يتميز التوزيع الجغرافي للنشاط الفلاحي في روسيا بالتباين بحيث يتمركز معظمه في القسم الغربي   نظرا لملائمة الظروف الطبيعية من حيث التضاريس و المناخ و المياه و التربة. كما يتميز بالتنوع من حيث المنتجات الزراعية و الحيوانية.
عرفت الفلاحة الروسية تراجعا كبيرا خلال مرحلة التحول الليبرالي فتراجعت أهميتها الاقتصادية  إذ انخفضت نسبة مساهمتها في الناتج الداخلي العام من %15.6 إلى 5.2% بالمائة سنة 2003 و التشغيل بنسبة 12.3% يمكن تفسير هذا التراجع بضعف  التجهيزات والوسائل الفلاحة . قلة رؤوس الأموال و حجم الإكراهات الطبيعية.
2- اهتمت روسيا بالصناعة الاستهلاكية خلال المرحلة الليبرالية
تختزن الأراضي الروسية موارد طبيعية متنوعة كمصادر الطاقة والمعادن حيث تحتل رتبا متقدمة عالميا في إنتاجها. لكن رغم ذلك عرف القطاع الصناعي الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تراجعا كبيرا فتراجعت بذلك مكانة الصناعة في روسيا. إذ انخفضت نسبة مساهمتها فيالناتج الداخلي الخام من  47.6 % سنة 1920 الى35% سنة 2003 أما نسبة التشغيل فلا تتعدى 22.7%.
يعزى هذا التراجع إلى عدم اهتمام روسيا خلال هذه المرحلة الليبرالية بالصناعات الأساسية الثقيلة و العسكرية و التكنولوجية و إعطائها الأولوية للصناعات الاستهلاكية  والتحويلية وأيضا ضعف الاستثمار بفعل قلة تدفق رؤوس الأموال وعدم الاطمئنان للأجانب.
3-استفادة القطاع الثالث  من مرحلة التحول في روسيا
يعتبر قطاع التجارة والخدمات أهم قطاع اقتصادي في روسيا خلال المرحلة الليبرالية إذ تزايدت نسبة مساهمته في الناتج الداخلي الخام من 35.% سنة 1990 الى حوالي 60 % سنة 2003 و أيضا نسبة التشغيل التي أصبحت تناهز 65 %.
تهيمن مصادر الطاقة و المعدن على صادرات روسيا , و المواد المصنعة و التجهيزية على الواردات  لذلك يحقق ميزانها التجاري فائضا لأن قيمة الصادرات  تفوق قيمة الواردات
تستفيد التجارة الروسية من عدة عواما منها: أهمية و كثافة شبكة المواصلات، وجود سوق استهلاكية واسعة ثم ضخامة الإنتاج (مصادر الطاقة و المعادن)
خاتمة: أثر الوضع الاقتصادي المتدهور في روسيا على مكانتها الاقتصادية و السياسية و العسكرية عالميا    فبعد مرور أزيد  من عقد من الزمن على التحول نحو الاقتصاد في السوق لا زال الاقتصاد الروسي يتسم بالضعف و عدم الاستقرار رغم حجم المؤهلات الطبيعية و البشرية التي تتوفر عليها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق