اخر الاخبار

الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

معضلة التنمية


     الملاحظ أن اقتصادنا اليوم يعاني من عدد من الاختناقات الهيكلية و من غياب أفق واضح لحل معضلاته البنيوية. بل إن تحقيق التوازنات المالية لم يتم و تفاقمت المديونية الداخلية التي تطورت بشكل أثر سلبيا على الموارد المتاحة للاستثمار. و استمر تأثير التغيرات المناخية على معدل النمو الذي ينتقل من السلب إلى الإيجاب حسب المحصول الزراعي للسنة الذي يخضع هو أيضا نفسه لمستوى المطر. و استقر ثقل ميزانية التسيير و أداء مستحقات الدين و خدمته طاغيا على حساب ميزانية الاستثمار، مما كرس التناقض المضطرد لإنجاز البنيات التحتية الضرورية لإعطاء دفعة قوية للاستثمار. و لإنجاز المرافق الاجتماعية التي تلبي الحاجيات الأساسية للمواطنين.

     إن الأمر يتطلب تقوية النسيج الإنتاجي الصناعي و الخدماتي و التجاري، و تكثيف الجهد التأهيلي للإطار المؤسساتي لاقتصادنا الوطني، و الرفع من مستوى أدائه العام من خلال تعزيز نسيج المقاولات الصغرى و المتوسطة. ففي مواجهة التحديات المتلاحقة، و لكسب رهانات التنمية الشاملة ، يكتسي تأهيل العنصر البشري و تثمين الموارد البشرية و الاستثمار في الطاقات و المهارات المبدعة و الخلاقة أهمية بالغة و مكانة متميزة في مسلسل التحديث المؤسساتي و التنمية.
ﺇن الاستثمار في الموارد البشرية هو الرافعة القوية للتقدم و التنمية و تدبير الثروات و الخيرات و مصادر العيش و الحياة .
I      -تأهيل الرأسمال البشري و تحديث النشاط الاقتصادي أمام مجموعة من العوائق و الإكراهات:
1.  أهمية تنمية الرأس المال البشري أمام عجز الساكنة على مواجهة التحديات و معضلات التخلف:

     إن تنمية رأس المال البشري و تنمية قدرات الإنسان لا تأتي قسرا؟، ولا تتحقق في مناخ استبدادي. و يفضل المفكر الاقتصادي العالمي (أمارتيا صن) استخدام عبارة رأس المال القدرة البشرية بدلا من رأس المال البشري كهدف و أساس للتنمية.
ذلك أن الدراسات عن رأس المال البشري تنزع إلى التركيز على فعالية البشر كأدوات في زيادة إمكانات الإنتاج...
     الإنسان هنا أداة و وسيلة إنتاج ، لكن منظور رأس مال القدرة البشرية يضع في بؤرة الاهتمام قدرة الناس على بناء حياة لديهم أسباب عقلانية للنظر إليها كشيء قيم، و على تعزيز خياراتهم الحقيقية و كفالة مقومات هذه القدرة و تطويرها.
و هنا يكون الإنتاج وسيلة لهدف هو حرية و رفاهية الإنسان... الإنسان بمواصفات حضارية جديدة هو الهدف و الغاية.
     إن التنمية تستلزم إزالة جميع المصادر الرئيسية لافتقاد الحريات: الفقر و الطغيان، و الحرمان الاجتماعي و الاستبداد السياسي، وأن تتوخى مشروعا تنمويا يكون محوره الإنسان و كل قوى المجتمع المنتجة و المبدعة و المشاركة في مختلف أوجه الشأن العام. التنمية في تصورها الإنساني و الحضاري هي التي تسخر أغراضها و مقاصدها لخير الإنسان و لخدمة المجتمع، و اعتماد منهجية التلازم و التناغم بين الاقتصادي و الاجتماعي. ذلك أن القرن الواحد و العشرين يؤشر على ميلاد نموذج اقتصادي جديد يقوم على خلق العقول القادرة على الابتكار. الأمر الذي يؤدي إلى خلق أسباب الغنى و الثروة أكثر من الصناعة.
     إن المرحلة القادمة من مسيرة التنمية الشاملة تتخذ من العناصر غير الاقتصادية بمقاييس التطوير النوعي للعنصر البشري و صقل ملكاته و مهاراته أكثر من النمو الكمي للقطاعات الفلاحية و الصناعية و الخدماتية.
     لقد أدرك الجميع أن واقع التخلف يكمن في عجز قصور ساكنة المغرب على مواجهة تحديات و معضلات التخلف و النمو البطيء و انحصار اقتصادياته في ضعف الإنتاجية و سوء استخدام الموارد الطبيعية و المادية و البشرية و صعوبة التحكم في الفجوة بين التزايد السكاني و معدلات التنمية بكل أبعادها و مقاييسها الاقتصادية و الاجتماعية الثقافية و البشرية.
2.  الواجبات و التدابير التي تجب على الاقتصاد المغربي لتعزيز مكانته العلمية و التكنولوجية:
     في سياق التحولات العميقة التي تطرأ على النظم الاقتصادية و أنماط الإنتاج المتجهة نحو تأهيل الاستثمار البشري و تكنولوجيات الاتصال و المعرفة و المعلوميات و الإعلاميات، يصبح من الضروري على الاقتصاد المغربي، أن يعزز مكانته العلمية و التكنولوجية، حيث يتوجب عليه:
         *القضاء على ظاهرة الأمية و التخلف الفكري و الفكر الثقافي التي تقف عائقا في وجه التنمية المنسجمة و المتنافسة.
         *الارتقاء إلى مستوى تحقيق منظومة تعليمية و تكوينية علمية بحثية تمكن المغرب ممن التحكم بما يخدم اقتصاد المستقبل.
      فإذا كانت الاقتصادات تتجه، من قبل، إلى بناء هياكل إنتاجية لتوسيع القاعدة المادية للتنمية الشاملة بكل أبعادها، فهي اليوم تعتمد على إنتاج المعرفة و المعلومة، التي تقتضي من المغرب أن يرصد لها حصة مهمة من إمكاناته الذاتية لتقوية قاعدته العلمية و البحثية و المعرفية التي هي أساس التنمية في القرن الواحد و العشرين.
       لقد أفرزت الثورة التكنولوجية المتسارعة في ظل العولمة قوة خرق الكيانات الوطنية و النفاذ في أعماق اقتصادها و مجتمعاتها لتحيلها إلى فضاءات للتلقي و الاستهلاك للمنتوجات و الابتكارات و المعلومات و الخدمات و الاتصالات. و من ثم تكتسي العولمة الاقتصادية صيغة احتواء للاقتصادات النامية و المتخلفة بكل المقاييس و إدماجها في الاقتصاد العالمي.
      و الواقع أن السياسات الاقتصادية في البلدان التابعة، و منها المغرب، كسياسيات الخوصصة و تدابير إلغاء الدعم وفتح الأسواق و المراهنة على الرأسمال الخارجي و الاستثمارات المباشرة الأجنبية في ظل الليبرالية الاقتصادية الجديدة و ما رافقها من تحرير التجارة و فسح المجال للمنتجات الأجنبية لتنافس المنتجات الوطنية كخيار لتنشيط قوى الإنتاج و النمو الاقتصادي في المجتمع، قبل أن يتقوى واقع الصناعة الوطنية. هذه السياسات أسهمت في تكريس تبعية الاقتصاد الوطني للرأسمالية العالمية و إجهاض فرص التنمية المستقلة القائمة على قاعدة الاعتماد على الذات.
     ذلك أن التنمية الشاملة تتطلب درجة عالية من المبادرة الذاتية ومن الفعل الإداري من لدن الدولة لتمنيع السوق الوطنية و حماية الصناعات الناشئة و توجيه الاقتصاد الوطني بالاعتماد على المدخرات الوطنية و على تأهيل الموارد البشرية و التحكم في مساراتها من حيث تحسين توزيع الدخول و حماية القدرات الشرائية ضمن رؤية تنموية شمولية و متكافئة بأبعادها الاقتصادية و الاجتماعية و البشرية.

3.  غياب الجهود الحقيقية من أجل تحديت النشاط الاقتصادي تعد إحدى أبرز العوائق:
     و الملاحظ الآن في المغرب هو غياب الجهود الحقيقية من أجل تحديث المناخ التشريعي للنشاط الاقتصادي، نظرا لاستمرار الحمايات المختلفة و الامتيازات الممنوحة لعدد من الأنشطة الاقتصادية في مختلف القطاعات كالنقل و مقالع الرمال إلخ... التي استمرت خارج القانون و الضرائب. و كذا استمرار عدد من الممارسات المنافية للشفافية في مجال تفويت الصفقات العمومية أو الاستفراد بتفويت بعض المرافق العمومية خارج أية شفافية. إن استمرارية بنية النظام التقليدية المبنية على قاعدة إنتاج نفس أساليب الاستحواذ على الجزء الأهم من الثروة الوطنية، يؤدي بالضرورة إلى تعميق الشروخ الاجتماعية بين جزء كبير من الساكنة المغربية التي تعيش التهميش و الفقر، و جزء قليل ينعم في الثراء الفاحش و البذخ. إن الأرقام الرسمية تكشف عن واقع اجتماعي خطير. ما يقارب من 8 ملايين مغربي يعتبرون فقراء، و منهم 5 ملايين تحت عتبة الفقر المطلق، ثلاثة أرباعهم (3/4) يعيشون في البادية. أما البطالة فقد بلغت نسبة ٪20 منهم ٪18 في المدن. في حين يعرف العالم القروي ظاهرة نصف التشغيل الذي يمس ٪20 من الساكنة القروية النشيطة. و من التجليات البارزة لفساد السياسة الاقتصادية و الاجتماعية المتبعة بخصوص صندوق المقاصة، أن الفئات الميسورة تستفيد أكثر من الفقراء من مساهمة الدولة، سواء في العالم القروي أو في الحواضر. مما يغذي الأزمة الاجتماعية و الاقتصادية التي تنعكس على ضعف الاستثمار و الاختلالات التي يعيشها الاقتصاد المغربي.
     إن تفاقم الأزمة الاجتماعية و تفاقم الشروخ القطاعية و الجغرافية لجزء من الأزمة البنيوية الشاملة، و عجز النظام الاقتصادي عن توفير الحد الأدنى من الدخل و الخدمات الاجتماعية، و تخلي الدولة تدريجيا عن أدوراها الاجتماعية و التوزيعية و ثقل المديونية، عرض المغرب سلسلة من الانفجارات الاجتماعية. و تتجلى هذه الأزمة بشكل واضح في واقع البطالة المزمنة للشباب الحامل للشهادات و بارتباط مع التدهور المستمر لنظام التعليم ببلادنا، و في المأساة اليومية للهجرة السرية كتعبير إنتحاري عن انسداد الأفق.
     إن المغرب ما يزال يتوفر على قدرات هائلة من أجل البناء و الإنتاج شريطة أن يشرع الحاكمون في فتح أوراش الإصلاح لمحاربة الفساد الذي ينخر مجتمعنا و يحجز إمكانيته و قدراته على الإقلاع و التأهيل. إن الترابط الجدلي بين مهام التأهيل و التحديث الاقتصادي و دمقراطة المؤسسات يبرز أكثر بالنظر إلى تحديات القرن الواحد و العشرين و مخاطر التهميش و التفكك. ﺇن برنامج التأهيل الاقتصادي و الاجتماعي يعد عنصرا حاسما للتأكيد على محورية و أولوية إصلاح النظام السياسي و تحديثه بهدف اجتثات عناصر التخلف التي تحجزه.
و لعل المدخل الطبيعي لذلك هو المقاربة المحلية و الإقليمية و الجهوية لإشكالية قضايا التنمية التي تعد أقرب إلى المصالحة الواقعية و الميدانية.
II- الجهوية رهان جديد في عملية التنمية:
1.               التحديات التي تواجهها التحديات في المغرب:
تعتبر التنمية المحلية اليوم من الانشغالات العالمية، فهي تستهدف الإنسان و رفع مستواه المعيشي بالقدر الذي يمكنه من الانتفاع العادل بثمرات و خيرات الموارد الطبيعية بشكل عقلاني بين مختلف الجهات، و على مستوى سكان مختلف الجهات. و تعني الجهوية بمفهومها الحديث مجموعة منسجمة تهدف إلى تكامل اقتصادي و إداري تنموي من أجل النهوض بمؤهلاتها و تسخير إمكانياتها البشرية و الطبيعية و المادية في إطار منسجم متكامل و متوازن، و من ثم يجب أن تأخذ الجهوية كرهان جديد للمغرب في عملية التنمية ضمن هيكلة و توازنات جديدة. لقد اتضح جليا للدولة مدى محدودية الممارسة الفعلية للسلطة المركزية، إذ لا بد من وجود إدارة وسيطة تشرف على التخطيط و التفكير للتنمية الجهوية و المحلية و على التوازن بين مختلف المستويات المحلية في إطار منظور يشمل المكان و الأنظمة الإنتاجية. فالمبررات الاقتصادية أصبحت تشكل الدور الأساسي في خلق الجهوية. و ترجع محدودية عمل الدولة الجهوي عموما إلى السلبيات الآتية:
*          عدم وجود إدارة مستقلة منتخبة.
*          سيطرة المنطق المركزي على العمل الجهوي.
*          عدم وجود وعي جهوي حقيقي.
*          عدم التنسيق بين الإدارات العمومية.
      إن طرح المسألة الجهوية انطلاقا من مقتربات علم السياسة يضعنا أمام قضية هامة و هي كيف يمكن للدولة التي تقوم على الوحدة الترابية كمبدأ ثابت أن تقبل بوجود سلطة جهوية موازية؟ هل من شأن ذلك أن يخلق قطيعة بين المركزي و المحلي؟ إن تحديد اختصاصات الجهة يعد عملية أساسية و ذلك في إطار قانوني واضح يحدد المسؤوليات و يقوم على التنسيق بين الدولة والجماعات المحلية.
2.               الإختصاصات الممنوحة للجهة
     و يمكن تحديد بعض الاختصاصات التي يجب أن تمنح للجهة فيما يلي:
                أ- التخطيط و إعداد التراب الجهوي:
    إن دراسة الاقتصاد الجهوي أصبحت ضرورة علمية لا يمكن تجاهلها في إعداد أي سياسة وطنية. بحيث أن السياسة الجهوية لدولة ما تعتمد بالضرورة على دراسات اقتصاديات هذه الكيانات المحلية حتى تكون هذه السياسة تتلاءم و الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي للمجتمعات المحلية. لهذا فإن أولى الاختصاصات التي يجب منحها للجهة هو تحديد المخططات الجهوية و المساهمة الفعالة في وضع المخطط الوطني.
     فالمخطط الجهوي يعتبر كاستراتيجية شاملة للتنمية النوعية و الكمية التي تستند على معرفة تركيبة و رقمية بجميع المؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية للجهة.
              ب- السكن:
     تستمد الجهة اختصاصاتها في ميدان السكنى إلى جانب الجماعات المحلية من خلال سياسة إنعاش التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و إعداد التراب الوطني.
     فحسب الفصل الثاني من الظهير المؤسس لها تقوم في حدود دائرة نفوذها الترابية بالتجهيز و تنفيذ برامج البناء إما لحساب الدولة أو الجماعات المحلية و لحسابها الخاص وذلك بصفتها منشطة عقارية أو مقاولة.
                 ج- المستوى السوسيوثقافي:
     إن دور الجهة في هذا المجال يجب أن تهدف أساسا إلى الحلول محل الدولة في مجالات محددة و التي تتعلق بالخصوص بإنعاش المرافق الحيوية لإشباع الحاجات الجهوية للمواطنين. و من بين هذه المجالات الصحة، التعليم، الرياضة و التكوين المهني و الثقافة و دور الشباب... و ذلك في أفق ربط المواطنين بوسطهم الاجتماعي و الثقافي.
                 د- دور الجهة في مجال التنمية الاقتصادية و الاجتماعية
     في هذا الإطار يجب اعتبار الجهة كمساعد للدولة التي أصبحت غير قادرة على الاستمرار في التواجد في كل المجالات. فالجهة يجب أن يناط بها مسؤولية التنمية الجهوية اقتصاديا و اجتماعيا و ذلك إما بصفة مباشرة عن طريق المساهمة مع الدولة في إنجاز التجهيزات الأساسية اللازمة لكل تنمية أو عن طريق المساهمة في رأس مال الشركات الجهوية و الوطنية التي لها دورا كبيرا في مجال التنمية الجهوية، أو عن طريق منح المساعدات المالية للمقاولات الخاصة التي لها دورا في التنمية الجهوية و في تشغيل اليد العاملة المحلية.
    فالجهة مدعوة اليوم للتحول إلى فاعل اقتصادي حقيقي.
                هـ اختصاصات الجهة في الميدان الفلاحي:
     يجب أن تحظى الجهة مستقبلا بمكانة هامة في مجال الفلاحة خصوصا وأنها تحتوي على تجربة هيكلية في هذا النوع.
     و قد يكون من المجدي أن تتم إحداث غرف جهوية فلاحية تكون محاورا مسؤولا.
                و - المحافظة على البيئة:
      إن اختصاصات الجهة في مجال البيئة تبقى محدودة في الالتزام و خلق الإجراءات التنظيمية للحد من تدهور البيئة و محاربة التلوث. و لذلك وجب:
*             إدماج البعد البيئي في المسار الاقتصادي و الاجتماعي و ضرورة وضع استراتيجية وطنية بعيدة المدى للمحافظة على البيئة.
*             إحداث صندوق جماعي للمحافظة على البيئة.
*             إدماج العنصر البيئي في إعداد كل الوثائق المتعلقة بالتعمير و إعداد التراب الوطني.
*              ربط السياسة البيئية بإعداد التراب الوطني.
4.   الشروط الواجب اتباعها لإنجاح وتفعيل  سياسة الجهوية:
     فبالإضافة إلى الاعتراف الدستوري بوجود الجهة ككيان مستقل لا بد من إتمامه بتحديد قواعد التنظيم الجهوي، ذلك أن أي نجاح و فاعلية للجهوية يتوقف على شروط عامة أساسية لا بد من مراعاتها، و يمكن إجمالها فيما يلي:
*              الطبيعة الديمقراطية للتنظيم الجهوي.
*              التحديد الدقيق لإختصاصات الجهة.
*              تحديد الموارد المالية للجهات.
*              الدور المتميز للقضاء كحكم بين السلطة المركزية و الجهات.
*              الدور المحدد للسلطة المركزية في الشؤون الجهوية.
     كما أن أي دور فعال يمكن منحه للجهة في إطار هذا النظام الشمولي يتوقف على:
*              الاعتراف بالإستقلال المالي و الإداري لجهة كجماعة داخل التنظيم الإداري.
*              التحديد الدقيق لاختصاص الجهة.
*              منح نظام مالي يقوم على أساس التوزيع الجيد للموارد المالية بين الدولة و الجهات، وعلى أساس مالي تعاوني و شراكة بين الجهات.  
     فالجهة يمكنها أن تحقق الاقتصاد الترابي من خلال أربع وظائف لها لا زالت حاليا غائبة:
-              وظيفة التشريع الجهوي.
-             وظيفة التخطيط الجهوي.
-             وظيفة تنشيط و إنعاش الاقتصاد الجهوي.
-             وظيفة التضامن و محاربة الفوارق و اللامساواة في التنمية.
المتطلبات التي يجب نهجها للرقي بسياسة الجهة
     إن المتأمل في طبوغرافية تموقع الوحدات الإنتاجية قد يعيب على الفوضى و المزاحمة التي هي عليها و خاصة في محور المدن الساحلية و بكثافة. فعلى سبيل المثال نجد الدار البيضاء تعاني من تراكم الصناعات بصفة غير مرتبة وغير مندمجة و غير مرتبطة بالمحيط الجهوي، بمعنى أن هذه الوضعية لا تراعي بيئة المؤسسات. فالدولة في إطار السياسة الجهوية، عليها أن تقوم بتحفيز و مساعدة وإعانة تحويل جزئي أو كلي للمقاولات إلى الجهات التي تلاءم تخصصاتها، فإذا كانت جهة الدار البيضاء ذات خصوصيات خدماتية تجارية، فإن المقاولات المتواجدة بأحيائها الصناعية و المتنوعة يجب توجيهها للجهات التي تلاءم تخصصاتها بتقريب المقاولة من الإنتاج و الموارد الأولية.
     فإذا كانت ذات طبيعة فلاحية أو صناعية أو صناعية غذائية فتوجه إلى المنطقة التي تعنيها و هكذا...و من ثم سنحصل في آخر المطاف على ولاية الدار البيضاء الاقتصادية كما هو في النموذج العالمي، مدينة المصالح و الخدمات و المخازن التجارية، بتحويل المقاولات إلى الجهات المخصصة لها، و تقريبها من مصادر الإنتاج و الموارد الأولية، سيعزز لا محالة التنمية بالجهة، و سيجعل التعليم بها مرتبطا بخصوصياتها و سيزدهر البحث العلمي، مما سيؤدي إلى نتائج إيجابية على مستوى المردودية و الجودة و الإنتاجية. فجهة مراكش مثلا هي ذات طبيعة و خصوصيات سياحية، لذا يجب أن تحول إليها كل المقاولات و المؤسسات التي لها طبيعة خدمات أو منتوجات سياحية.
     و نفس الشيء بالنسبة لجهة ورزازات التي تزخر بمؤهلات سياحية طبيعية مما جعلها تستقطب الوفود السياحية، مما أهلها لتخصص في الصناعة السينمائية. كما أن تنمية محصولها الطبيعي يجب ربطه بالتعليم و التكوين المهني في ميدان الصناعة السينمائية و السياحية وتنشيط البحث العلمي بها.          و للخروج من الأزمة الحالية للجهوية لابد من الإستجابة للمتطلبات التالية:
*             
حصر الهجرة القروية بين الجهات الأخرى، وذلك بهدف خلق جهات استقطابية بديلة.
*             
تقريب المقاولة من الإنتاج و عدم التمركز.
*             
تكثيف البحث العلمي من أجل الجودة و التنافسية.
*             
تخصص المجمعات الاقتصادية الجهوية و خلق منابت مقاولات جديدة.
*             
تنظيم وخلق مناصب الشغل للمؤهلات الجهوية.
*             
عقلنة الاستثمارات الصناعية الجهوية.
*             
مواجهة الاختلالات بين الجهات على مستوى الاستثمار و التشغيل.
*             
تطوير و تهيئة المجال و البعد الجهوي.
*             
تجميع كل الأنشطة و الخدمات العمومية في إطار اللامركزية الجهوية.
*               تقليص سلطات و اختصاصات الهيئات المركزية.
خلاصة

       يتجلى من خلال تجربة النظام الحالي الجهوية التباطؤ و التعثر في تفعيلها، إذ تعتريها معوقات ليس أقلها محدودية الوسائل و الاعتماد والمخصصات المالية إضافة إلى ضعف النخب الجهوية و القيادات الإدارية.
     و لعل عقدة التنظيم الجهوي و المحلي كإطار تمثيلي لإدارة السكان و القاعدة الناخبة تكمن في قيامه على أرضية هشة نتيجة ما شاب تجارب الاختيارات الشعبية من انعكاسات سلبية على البناء التدريجي للهيئات المنتخبة و منها مجالس الجهة و توجهات و مسالك عملها. و الواقع أن متطلبات و مستلزمات إرساء و تعزيز الجهوية، و الشروع في إنجاز التنمية الجهوية، بكل أبعادها البشرية و الاقتصادية و الاجتماعية، و الثقافية و الإدارية و البيئية لم تكن بالقدر و المستوى المطلوبين لإحداث و تفعيل التحول التنموي الجهوي و بالتالي تجسيد التحول الديمقراطي الجهوي. فبعد مضي سنوات على نظام الجهوية، لم تصدر بعد النصوص التطبيقية و خاصة منها المتعلقة بتحديد أدوات العمل و الوسائل المالية و الموارد البشرية لتفعيل العمل الجهوي. و لم يظهر المرسوم التطبيقي للنظام الضريبي الجهوي المنصوص علية في القانون المنظم للجهة و الذي بمقتضاه تتحدد حقية الجهة من عائدات كل من الضريبة على الشركات و الضريبة العامة على الدخل كمصدرين أساسيين لتمويل ميزانية الجهة، و تظل هذه الميزانية في الواقع محصورة في إعداد ميزانية وزارة الداخلية المرصودة للجهات الست عشرة.
     إن إشكالية العمل الجهوي راهنا هي ضعف الموارد و الوسائل الذاتية المتوفرة للجهات، والتي تظل دون المستوى المطلوب، و التي تعتبر أهم القيود التي تحول دون تنميتها على مستوى القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البنيات التحتية و الارتكازية من تجهيزات أساسية و مرافق اجتماعية في مجالات التربية و التعليم و التطبيب و السكن و التشغيل، و هي بحق مفاتيح و مداخل التنمية الجهوية المنسجمة و المتناسقة.
     إن المدخل الأساسي لتأهيل الاقتصاد الوطني يتمثل في الإصلاح الدستوري و السياسي للخروج من حالة الحجز التي نعيشها بنتائجها الكارثية على الأوضاع الاجتماعية للطبقات الشعبية.
إن جوهر برنامج التأهيل هو رفع المعيقات الذاتية لتطور الاقتصاد الوطني عبر تحديث بنياته و ضمان تطوره و تنمية صناعته و تنافسيته مما يعني القضاء نهائيا على كل أشكال الامتيازات و الريع و الفساد و التهرب من الضرائب و كافة الأساليب المنافية للمنافسة النزيهة.
     و على الدولة أن نوفر البنيات و التجهيزات الاجتماعية الكبرى التي يجب أن تستند عليها كل تنمية منسجمة و متوازنة، حيث إنها مطالبة أكثر من أي وقت مضى بلعب أدوار طلائعية في بناء الاقتصاد الوطني على أسس حديثة مندمجة و متكاملة على الخصوص في القطاعات الإنتاجية الحديثة و المتطورة.
     و لعل المقدمة الضرورية لمجهودات الدولة تكمن بالذات في توفير المناخ الاقتصادي و الاجتماعي و المؤسساتي الكفيل بالرفع من وثيرة الاستثمارات و من مؤشرات التنمية البشرية نحو الوصول إلى جانب التوازنات الاقتصادية. و هذا يعني أن تصبح الدولة في خدمة المجتمع و خدمة أهدافه و طموحاته في التقدم، بناء على:
-            
إصلاح الإدارة و مراجعة دورها و جعلها أداة محفزة و مشجعة.
-            
دعم سياسة الجهوية و اللامركزية.
-            
اعتماد سياسة الحوار كنهج بناء و منتج
.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق