اخر الاخبار

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

أساتذة تحت عنـف التلاميـذ وقلـة احترامهـم

انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من حوادث اعتداءات التلاميذ على أساتذتهم، مثال أستاذة اللغة الفرنسية التي تعرضت للضرب على يد بعض التلاميذ خارج المؤسسة بمدينة قلعة السراغنة، وأستاذ بإحدى ثانويات مدينة بني ملال، الذي اشتبك بالأيدي مع أحد تلاميذه، داخل الفصل الدراسي لينتهي الأمر إلى التعرض له خارج المؤسسة وتعريضه للضرب المبرح من قبل مجموعة من التلاميذ الآخرين، ناهيك عن حوادث أخرى أصبح ينظر لها كأنها عادية مثل قذف الأستاذ أثناء كتابته على السبورة، ببقايا الطباشير أو قشور الليمون أو غيرها من الممارسات التي يهدف التلاميذ منها بالخصوص إلى مضايقة الأساتذة. وعن هذا السلوك الغريب، الذي يتزايد يوما عن يوم، نتساءل لماذا تغيرت العلاقة التي تربط الأستاذ بتلاميذه؟ ولماذا بدأت تلك النظرة التي كانت تضع المعلم في مرتبة مشرفة تتقلص؟ بل في العديد من الإعداديات والثانويات أخذت تنهار تلك القيمة التي كانت تشرف المعلم، ولم نعد نسمع ببعض الأقوال المقدسة لمهنة المعلم مثل: ''قم للمعلم وفّه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا''، ''أو من علمني حرفا صرت له عبدا''.
لماذا سقط احترام الأستاذ؟
تقول ابتسام تلميذة في السنة النهائية باكالوريا بثانوية عبد الكريم الخطابي بالرباط، إن شخصية الأساتذة داخل الفصل هي التي تحدد نوعية تعامل التلاميذ، وعبرت عن ذلك بكون بعض الأساتذة كما قالت ''عينيهم زايغة''، ولا يفرضون تلك الحدود التي يجب أن تكون، كما أن منهم من تسأله عن شيء ما ولا يعطيك جوابا مقنعا عن سؤالك أو لا يعرف حتى أين يصب السؤال، وهذا أيضا يجعل الطالب يشعر بتفوقه على الأستاذ وبالتالي يفقد هيبته أمام الجميع، وأضافت هند طالبة جامعية أن الأساتذة لم يعودوا يفرضون احترامهم جراء فقدهم للمعرفة وأحيانا بسبب الميوعة في تعاملهم سواء مع الطلبة أو مع التلاميذ، غير أن مريم الطالبة في كلية الطب لم تنكر أنه مازال هناك مجموعة من الأساتذة الذين يفرضون احترامهم وأن نوعية العلاقة تفرضها أساسا شخصية الأستاذ.
أزمة الاحترام كرسها عنف السلطات
يرجع هذا التغير في العلاقة بين الأستاذ والتلميذ إلى أسباب تاريخية، كما عبر عن ذلك سعيد لشكر أستاذ اللغة العربية بثانوية الفارابي بإقليم بني ملال في اتصال هاتفي لـ ''التجديد''، إذ شهدت أواخر السبعينات من القرن الماضي، إضراب شغل دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وعرف الإضراب تدخل القياد والباشوات بشكل تعسفي ضد رجالات التعليم، وتم اعتقالهم بشكل همجي ومهين أمام التلاميذ، مما حطم تلك القداسة للمعلم في أعين التلاميذ، زيادة على ذلك، فقد تحدث الناس أمام وسائل الإعلام آنذاك عن رجالات التعليم بطريقة مشينة، وبذلك تكون الدولة قد ساهمت في زعزعة نظرة الوقار التي كانت للمعلم تجاه التلاميذ.
شخصية الأستاذ تحكم نوعية العلاقة
هناك من يقول أن العلاقة بين الطرفين أصبحت متوترة ويسودها عدم الاحترام، وضعف سلطة الأستاذ داخل المؤسسة، وهناك من يقول أنها أصبحت علاقة تفاهم وأصبحت مبنية أكثر على المحبة وفهم الآخر كما عبر عن ذلك لشكر إذ أوعز حكم هذه العلاقة إلى تفهم الأستاذ للمرحلة العمرية التي يمر منها التلميذ خاصة في مرحلة المراهقة أو مرحلة الإقبال على الشباب التي تتطلب تعاملا خاصا لكي يسود الاحترام والتفاهم بين الطرفين. وأوعزت أمينة مجدوب أستاذة اللغة الفرنسية بمدينة الدار البيضاء عبر اتصال هاتفي ''للتجديد'' أن العلاقة الحميمية التي تكون بين الطرفين ناتجة بالأساس عن شخصية الأستاذ وطريقة تعامله داخل المؤسسة التي يمثلها، زيادة على أن التفاني في العمل وتمكن الأستاذ من المادة التي يقدمها يجعل مكانته تكبر في أعين التلاميذ، خاصة وأنه لم يعد مصدر المعرفة الوحيد في ظل تعدد القنوات التعليمية وشبكة الأنترنيت التي أصبحت تغزو كل البيوت، والتي تستلزم من الأستاذ أن يكون على دراية علمية بكل ما يحيط به وإلا فإن ذلك سوف يسقط من نظرة التلاميذ له.
تحول العلاقة بين الأستاذ والطالب
وعن هذا التحول في العلاقة بين الأستاذ والطالب، ذكر رضوان ماضي أستاذ جامعي، أنه يجب استحضار أن الجامعة عرفت انتقالا على المستوى البيداغوجي الذي اتسم في التسعينات بالتلقي، يعني أن الاكتفاء في السابق بإلقاء محاضرات فقط كان سببا في إفراز السلطة البيداغوجية المطلقة للأستاذ، واليوم أصبحت هناك أشكال تواصلية جديدة مرتبطة أساسا بالثورة التكنولوجية التي فرضت حوارا متبادلا بين الطالب والأستاذ، من جانب آخر لا يمكن فهم هذه الاختلالات بمعزل عن التحولات التي عرفها المجتمع، إذ أصبح هناك انتقال في القيم الجديدة التي يعرفها المجتمع وهي قيم سلبية حسب نفس المصدر، مثلا بعض مظاهر الاستلاب الفكري الإيديولوجي التي انتقلت إلى الحرم الجامعي، وأفرزت بعض مظاهر التسيب، وهذا يعزى أساسا إلى الانفتاح المتزايد الذي عرفه المجتمع والمرتبط بظاهرة العولمة، إذن هناك سيرورة عرفها المجتمع المغربي والمجتمع ككل وهي سيرورة عولمة القيم، كما يمكن أن نرجع سبب هذه الاختلالات أيضا إلى تراجع السلطة العائلية، وخاصة السلطة الأبوية وهذا التراجع هو ما أفرز أشكال تمرد الأجيال التي بدأت تنتقل إلى الجامعة، وتؤثر سلبا على العلاقة بين الأستاذ والطالب، وكذلك نوع من الضبابية والغموض الذي أصبح يكتنف وظيفة الجامعة، وهذا الغموض هو الذي أفقد الجامعة دورها التأطيري، وأثر على مصداقيتها، لأن المرور من الجامعة كان يضمن مباشرة الولوج إلى سوق العمل. أما الآن الجامعة لم تعد تضمن العمل، وترابط كل هذه العناصر، يؤثر سلبا على علاقة الطالب بالأستاذ، ومشكل التواصل أصبح مطروحا بشدة بين الطرفين.
إضافة إلى عنصر المصداقية التي فقدها الطلبة في الجامعة باعتبارها لا تؤهل الولوج المباشر للعمل، كما زادت إكراهات الإصلاحات الجامعية الجديدة التي لا تتناسب مع التحولات الحالية في توسيع الشرخ الحاصل بين الأستاذ والطالب. ويربط الدكتور حسن قرنفل في تصريح لـ ''التجديد'' هذا التراجع لسلطة المدرس بتراجع دور كل الهيئات والمؤسسات الاجتماعية بما فيها الوالدين، وبالممارسة اليومية لمهنة التعليم، كما كرست النكت والأقوال الساخرة عن مهنة التعليم بصفة عامة التي تروج داخل المجتمع هذا التراجع الذي جعل التلميذ يغير من نظرة الوقار الواجبة للمعلم، وبالتالي لم يعد يتردد لا في شتمه ولا في ضربه. كما أرجع قرنفل السبب الرئيسي في تراجع دور المعلم إلى تراجع دور المؤسسة التعليمية ككل، لأنه في السابق بالإضافة إلى دورها التربوي والتوجيهي كانت لها وظيفة الحراك الاجتماعي، أي أن المدرسة كانت وسيلة من الوسائل التي ينتقل بها الأشخاص من وضعية دونية إلى وضعية أعلى، والآن لم تعد هي بوابة النجاح وبوابة المستقبل. مما أثر على نظرة الاحترام والتقدير التي كان ينظر بها التلميذ للأستاذ.

منقول عن التجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق